تدخل إسرائيل في السويداء- ممر "إنساني" أم أهداف خفية؟

منذ تفاقم موجة العنف الأخيرة في محافظة السويداء السورية، ازدادت وتيرة تدخل إسرائيل بشكل ملحوظ في الأزمة المعقدة بين الدولة السورية الناشئة والمكون الدرزي الأصيل في المنطقة.
يتجلى هذا التدخل المتزايد في مظاهر عدة، أبرزها سعي إسرائيل الحثيث للضغط على الولايات المتحدة لحث سوريا على الموافقة على فتح ما يسمى "ممراً إنسانياً" يربط إسرائيل بالسويداء، تحت ستار تقديم المساعدات الإنسانية الضرورية للمدينة.
يأتي هذا المسعى الإسرائيلي بعد أن رفض الأردن طلباً مماثلاً بالسماح بعبور طائرات محملة بالمساعدات الإسرائيلية عبر أجوائه باتجاه السويداء.
وعلى الرغم من أن الحكومة السورية قد شرعت بالفعل، منذ إبرام اتفاق وقف إطلاق النار قبل شهر تقريباً، في تسيير قوافل إغاثية متعددة نحو السويداء، إلا أن الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز، والذي سبق له أن أعرب عن شكره لإسرائيل على تدخلها العسكري في السويداء لدعم الفصائل المتمردة على الدولة، يرفض بشدة التعاون مع دمشق في ما يتعلق بملف المساعدات، ويطالب الأردن بفتح معبر حدودي مباشر مع السويداء.
إن رفض الشيخ الهجري التجاوب مع الدولة السورية، وإصراره على ترويج رواية الحصار المفروض على المدينة، على الرغم من أن قوافل المساعدات الحكومية تدحض هذه الادعاءات، يكشف عن نهج ممنهج يهدف بشكل أساسي إلى اجتذاب المزيد من التدخل الإسرائيلي في شؤون المدينة، وذلك بهدف تعزيز أواصر العلاقة مع إسرائيل وتوسيع الفجوة بين الدروز والدولة السورية.
وقد تجلى هذا التوجه جلياً خلال أحداث العنف الأخيرة من خلال الدعم العسكري الإسرائيلي المكشوف للفصائل المسلحة المناهضة للدولة السورية، بهدف منعها من استعادة السيطرة على السويداء. واليوم، يتطور هذا التدخل ليشمل مساعي إقامة ما يسمى "بالممر الإنساني" إلى السويداء.
يثير هذا المقترح العديد من التساؤلات والشكوك العميقة حول الأهداف الحقيقية والدوافع الخفية الكامنة وراءه، فضلاً عن الدوافع التي تقف وراء الاستثمار الإسرائيلي المتزايد في الشأن الدرزي، الأمر الذي يكشف عن مدى الاختراق الإسرائيلي العميق للوضع الدرزي في سوريا.
إن الترويج للأهداف الإنسانية المعلنة لمشروع الممر الإسرائيلي إلى السويداء يخفي وراءه أجندة متعددة الأوجه، تصب جميعها في ترسيخ واقع جديد يسمح لإسرائيل باستهداف الهوية الدرزية في السويداء وتقويض ارتباطهم بوطنهم سوريا، وذلك خدمةً لأطماعها التوسعية في الجنوب السوري، وتحقيقاً لرؤيتها لسوريا المستقبلية كدولة مفككة وغير قادرة على بسط سيادتها على كامل أراضيها.
بالإضافة إلى ذلك، كثفت إسرائيل في الآونة الأخيرة من عمليات الإنزال الجوي المتكررة في السويداء، والتي أصبحت بمثابة إجراء روتيني يومي دون أي رادع يمنعها من ذلك، الأمر الذي يعزز الشكوك حول الأهداف السياسية الخفية التي يطمح مشروع الممر الإسرائيلي إلى تحقيقها.
وبغض النظر عن مدى إمكانية تحقيق هذا المشروع، الذي تسعى إسرائيل جاهدة لفرضه كأمر واقع، تبرز ثلاثة دوافع رئيسية تقف وراءه:
- أولاً: تسعى إسرائيل إلى تعميق اختراقها للنسيج الدرزي السوري من خلال ما يسمى "بالدعم الإنساني"، والذي يتيح لها التواصل المباشر مع شريحة واسعة من الدروز وتوسيع قاعدة الدعم الدرزي للعلاقات معها، وهو ما لم تتمكن من تحقيقه بالكامل حتى الآن.
فعلى الرغم من العلاقة الوطيدة التي تربط إسرائيل بالشيخ حكمت الهجري، إلا أن شخصيات دينية مرموقة أخرى داخل المحافظة تتجنب إظهار أي ترحيب علني بالتدخل الإسرائيلي، على الرغم من تبنيها مؤخراً لموقف مناوئ للدولة السورية.
كما أن الشيخ ليث البلعوس، المعروف بدعمه للحكومة السورية، يعارض بشدة هذا الدور الإسرائيلي، مما يشير إلى وجود انقسام عميق داخل المجتمع الدرزي حول النظرة إلى إسرائيل ودورها في سوريا، حتى وإن كان الموقف العدائي تجاه الدولة السورية الحالية هو السائد على نطاق واسع في السويداء.
- ثانياً: تهدف إسرائيل إلى ترسيخ تدخلها في الشؤون الدرزية كأمر واقع لا رجعة فيه، وذلك بما يخدم استراتيجيتها وأطماعها التوسعية في سوريا عموماً، وفي الجنوب السوري على وجه الخصوص.
فمنذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، استولت إسرائيل على أجزاء جديدة من الأراضي السورية تتجاوز مساحتها 350 كيلومتراً مربعاً، بما في ذلك المنطقة العازلة ومناطق إضافية في جنوب سوريا.
كما تسعى جاهدة لفرض منطقة عازلة تمتد إلى عمق 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، مع منطقة نفوذ وسيطرة أمنية تمتد حتى 60 كيلومتراً، تشمل أجزاء من محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء وريف دمشق الجنوبي.
وفي هذا السياق، تتبدى الأهمية الاستراتيجية لمحافظة السويداء كحجر الزاوية في هذا المشروع الإسرائيلي، الذي اتخذ أشكالاً مختلفة، بدءاً بالتدخل العسكري المباشر، مروراً بالتهجير القسري لأجزاء من بدو السويداء، وصولاً إلى طرح مشروع الممر الإسرائيلي إلى السويداء.
- ثالثاً: تسعى إسرائيل إلى تقديم نفسها كحامية للأقليات في سوريا والمنطقة بأسرها، بهدف تعميق الشرخ بين الدروز ودمشق، وتحريض المكونات الأخرى في البلاد على تبني نهج عدائي ضد الدولة، لتأجيج الصراعات الطائفية والعرقية في سوريا.
ويندرج هذا المسعى في إطار استراتيجية إسرائيلية أوسع نطاقاً في المنطقة، تهدف إلى إضعاف الدول المركزية الكبرى وتقسيمها وتأجيج الصراعات الطائفية والعرقية فيها، وذلك بهدف إقامة تحالفات وثيقة مع الأقليات، كما تفعل مع الدروز في سوريا في الوقت الراهن.
إن هذا التوجه، بالإضافة إلى كونه يغذي الانقسامات الداخلية في سوريا، يهدف في حالة السويداء إلى تغيير هوية دروز سوريا، على غرار ما فعلته مع الدروز في فلسطين التاريخية، ومن المرجح أن تتوسع هذه الاستراتيجية في المستقبل لتشمل الدروز في لبنان أيضاً.
ويعكس الانخراط المكثف للدولة السورية في ملف تقديم المساعدات الإنسانية في السويداء قلق دمشق العميق إزاء هذه العلاقة المتنامية بين بعض التيارات الدرزية البارزة وإسرائيل، ويظهر أيضاً كمحاولة حثيثة للحفاظ على دور الدولة وتعزيز وجودها في السويداء.
ومن المستبعد أن ترضخ دمشق للضغوط المتزايدة بشأن الموافقة على إنشاء مثل هذا الممر. ومع ذلك، فإن الاستثمار الإسرائيلي المتزايد في أزمة السويداء قد تحول إلى أحد أكبر مصادر الضغط التي تواجه الحكومة السورية، ويعمل كمحفز للتحديات الأخرى التي تهدد بتقويض مشروع الدولة الوطنية الموحدة.